قانون اللغات الرسمية .. قراءة آشورية

ادورد اوراها

تسابقت التنظيمات التي تعتلي سُدة التمثيل البرلماني لشعبنا الاشوري بشتى انتمائاته, تسابقت الى اعلان منجزاتها التشريعية التي لوحت بها لابناء شعبنا المسكين كانتصارات سياسية وعلى صعيد نيل الحقوق, ولا يخرج "منجز" قانون اللغات الرسمية  الصادر في السابع من كانون الثاني 2014" , الذي تراقص المروجون له فرحا باصداره عن هذا السياق اذا ما تناولناه في في اطار تاثيره وتداعياته علينا كشعب, ولكن بعض الامور الجوهرية المتعلقة بهذا القانون و التي تدور في فلكه خفيت عن معظم ابناء الشعب الاشوري او تم اخفائها عنهم, كما ان المشرعين لهذ القانون جهلوها او تجاهلوها, وهنا لا بد من التنويه عنها وتشخيصها ليس على سبيل الانتقاص من هذا "المنجز" بل اظهارا لاستخفاف المشرع العراقي المنتمي الى شعبنا بالعملية التشريعية من جهة, وبمقدرة العقل الاشوري على التحليل المنطقي والسياسي السليم, اما على الصعيد الوطني فهذا القانون بهفواته يظهر مدى استخفاف المؤسسة التشريعية العراقية بكل ما يتعلق بالمكونات العراقية الاقل عددا. وبغض النظر عن اختلافي مع تسمية لغة شعبنا بالسريانية فسابحث هذا  القانون بشكل موضوعي لعل ذلك ينبه الغافلين عن ما يحفل به من عوار دستوري, وما قد تكون تداعياته على مستقبل شعبنا.
الان فلنبدأ بتناول هذا القانون من ناحية دستوريته وتوافقه مع مواد واحكام الدستور والبداية المنطقية تكون حيث يعرّف  هذا القانون اللغات الرسمية "بنوعيها" كالتالي:
المادة-1-   (اولاً) اللغة الرسمية: هي اللغة التي تعتمدها الدولة في التكلم و التعبير و المخاطبات الرسمية والأوراق النقدية و الطوابع و الوثائق الرسمية في جميع ما يتعلق بأمور الدولة في الداخل و الخارج و غير ذلك من المجالات الأخرى.
(
ثانياً) اللغة الرسمية المحلية: هي اللغة التي تتقيد إستعمالاتها الرسمية بالوحدات الإدارية التي يشكل المتحدثون بها كثافة سكانية.
اي ان هناك تمييز بين نوعين من اللغات , الاول هو اللغات الرسمية والثاني هو اللغات الرسمية المحلية,و اهمية هذا التمييز تتوضح عند الانتقال الى المادة 2 التي تنص على التالي:
المادة -2-   اللغة العربية و اللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان في العراق.
هذه المادة تدفع لغات المكونات العراقية ما "عدا العرب والكرد" الى مصاف اللغات الرسمية المحلية على احسن تقدير , في الوقت الذي تعلي من شان اللغتين العربية والكردية و هذا ما يظهر واضحا في المواد المتوالية من هذا القانون ووللقراء الرجوع الى المواد 3,4,5,6,8  :
ويبدو ان المشرعين تناسو المادة 14 من الدستور العراقي مجددا وهذه المادة الدستورية تنص على:
العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي.
ويتضح التمييز بين اللغتان العربية والكردية من جهة وبين بقية اللغات العراقية من جهة اخرى بشكل جلي في المادة 13 رابعا اذ تنص على ما يلي:
 
رابعاً: تأمين المساواة بين اللغة العربية و الكوردية في الحقوق و الإمتيازات بالنسبة لإستخدامها في المؤسسات الإتحادية.
ويتناسى القانون تأمين المساواة بين اللغات العراقية جمعاء ليأتي مكرسا ومكملا لهضم حقوقنا الحاصل في الدستور على مختلف الاصعدة بما في ذلك على صعيد اللغات الرسمية, اذ ان الدستور سبق له ان ميز بين اللغات العراقية في نصوصه بشكل سلبي.
ان جعل اللغات العراقية ما عدا العربية والكردية لغات رسمية "محلية"  يعني عدم استخدامها في المؤسسات الاتحادية للدولة العراقية ويقصر استخدامها على المتحدثين بها وبالتالي فهذا القانون يتفق الى حد كبير مع قرار مجلس قيادة الثورة المنحل بالرقم 251 لسنة 1972 الذي تضمن في بعض ما تضمن:
1- 
منح الحقوق الثقافية للمواطنين الناطقين باللغة السريانية من الآثوريين و الكلدان و السريان وفقاً لما يلي:
 
أ- تكون اللغة السريانية لغة التعليم في كافة المدارس الابتدائية التي غالبية تلاميذها من الناطقين بهذه اللغة ويعتبر تعليم اللغة العربية الزامياً في هذه المدارس.
 
ب- تُدرس اللغة السريانية في المدارس المتوسطة والثانوية التي غالبية تلاميذها من الناطقين بهذه اللغة و تُعتبر اللغة العربية لغة التعليم هذه المدارس.
 
ج- تُدرس اللغة السريانية في كلية الآداب بجامعة بغداد كإحدى اللغات القديمة.
 
د- استحداث برامج خاصة باللغة السريانية في اذاعة الجمهورية العراقية ومحطتي تلفزيون كركوك ونينوى.
 
هـ- اصدار مجلة شهرية باللغة السريانية من قبل وزارة الاعلام.
- 
انشاء جمعية للأدباء و الكتُاب الناطقين باللغة السريانية وضمان تمثيلهم في الإتحادات و الجمعيات الأدبية و الثقافية في القطر.
 - 
مساعدة المؤلفين والكتاب والمترجمين الناطقين باللغة السريانية ماديُاً ومعنوياً ونشر انتاجهم الثقافي والأدبي.
 - 
تمكين الموظفين الناطقين باللغة السريانية من فتح النوادي الثقافية و الفنية وتشكيل الفرق الفنية والمسرحية لإحياء وتطوير التراث والفنون الشعبية.
اذن للمهللين لهذا القانون من تنظيمات شعبنا نقول: ان اللغة السريانية  لم تصبح لغة رسمية في العراق بل انها لغة رسمية محلية في احسن الحالات وحتى هذا غير ممكن التحقيق لما سناتي على ذكره الان, فالمادة 9 من قانون اللغات الرسمية تنص على التالي:
المادة -9- اللغة التركمانية و اللغة السريانية لغتان رسميتان في الوحدات الإدراية التي يشكل التركمان أو السريان فيها كثافة سكانية .
وهنا اتمنى بل وارجو من كافة المشرعين العراقيين وبشكل خاص "ممثلي شعبنا"  في البرلمان العراقي , وابناء شعبنا اجمعين ان يقرأو نص الدستور العراقي بشكل متأني ودقيق بحثا عن تسمية "السريان" فيه, ايها السادة ان قانون اللغات الرسمية يربط جعل السريانية لغة رسمية بوجود كثافة سكانية للسريان, في حين ان الدستور العراقي لم يذكر شعبنا الا في مادة واحدة هي المادة 125 وقد تم ذكر شعبنا بالتسمية التقسيمية بصيغة "الكلدان والاشوريين", ما يجعل القانون يتعارض مع الدستورالامر الذي يطعن بدستورية القانون, ويبدو من ذلك ان ممثلي شعبنا لم يكلفوا انفسهم عناء البحث في النصوص والصيغ الدستورية التي تتناول شعبنا في خضم تراكضهم نحو منابر الاعلام للتطبيل لهذا الوليد المشوه.
نجد في المادة 11 من قانون اللغات الرسمية  تكرار تسمية شعبنا بالسريان اذ تنص المادة على:
المادة -11- تشكل لجنة عليا لمتابعة تنفيذ هذا القانون ترتبط بمجلس الوزراء يرأسها ممثل عن الامانة العامة لمجلس الوزراء وعضوية ممثل عن حكومة اقليم كوردستان وممثل عن ديوان مجلس النواب تساعدها لجنة مختصة من لغويين واكاديميين وممثلي التركمان والسريان و المندائيين و لها اضافة ممثل لاية لغة عراقية أخرى.
بعد هذه القراءة في نصوص القانون ومدى التزامه بالمرجعية الدستورية لتحديد المعايير لتخصيص حقوق المكونات العراقية لا بد ان نخرج بنتيجة مفادها ان المرجعية الدستورية لهذا القانون مفقودة , تحديدا فيما يتعلق بشعبنا ولغته.
اذن على صعيد المنجز القانوني والدستوري فالقانون يعتبر نكتة سمجة يحاول"ممثلو شعبنا" ان يشغلوا بها الشعب الاشوري ويحاولون اتخاذها ورقة توت تستر عورة فشل ادائهم البرلماني، فهذا القانون لا يمنحنا اكثر من "حقوق ثقافية" وكل ما في الامر هو تسميات مختلفة لنفس المسميات.
ان حقوق الشعب الاشوري لا يمكن اختزالها في تدريس لغتنا الام , على الرغم من الاهمية العظمى للغة الام, فتجربة التعليم السرياني مرت عليها سنوات ليست بالقصيرة ولكن لو تمعنّا فيها نجد انها اسهمت في احدى اكبر الجرائم المرتكبة بحق شعبنا ومستقبله واجياله ورموزه, فقد تم توظيف هذه التجربة لترسيخ مفاهيم القومية الكردية في اذهان ابنائنا فنجد مدارس التعليم السرياني تلقن ابنائنا عظمة وبطولة مجرمين تلطخت ايديهم وتاريخهم بدماء رموزنا القومية, والمثال الصارخ على ذلك هو المجرم سمكو الشكاك, فهو في المناهج المعتمدة في هذه المدارس بطل , وهنا ما يجعل تساؤلا مهما يتبادر الى الذهن , اذا كان سمكو بطلا ومناضلا محقا في نظر ابنائنا بحسب المناهج الدراسية المفروضة عليهم, فماذا يجعل ذلك من الشهيد مار بنيامين شمعون في اذهانهم؟؟؟؟انه تساول يستحق التأمل, ناهيك عن وقوف ابنائنا لاداء تحية العلم لعلم الاحتلال الكردي وتغنيهم بالنشيد القومي الكردي, ومؤخرا بدأ الترويج لارتداء الطلبة  لربطات عنق تحمل العلم الكردي وفقا لتعليمات من الجهات المختصة, وكل ذلك يتم في مدارس التعليم السرياني, وهذا انجاز اخر يضاف الى انجازات التنظيمات المهللة لتجربة التعليم السرياني ولقانون اللغات و و و  و ....
ان عملية صهر قومي تجري بأشد الوتائر بحق ابنائنا ومستقبل امتنا والغاية منها انتاج اجيال اشورية الدماء واللغة , كردية التفكير والمنهج, اجيال مطوعة لقبول المشروع الكردي بعد ان يتم تزويق صورته لهم, والامر يتطلب وقفة رفض حاسمة وحازمة من الشعب الاشوري تجاه عملية التكريد الفكري هذه التي تتوازى مع سائر اشكال التكريد الاخرى الجارية في اراضي اشور.
ان حقوقنا لا يمكن اختزالها في قانون يجيز لنا ان نعلم بلغتنا بل ان هذا من ابسط مستلزمات اي عملية بناء ديمقراطي في العراق فلغتنا الاشورية هي لغة سكان البلاد الاصليين وبالتالي هي اللغة الاصلية والاصيلة للعراق ومن واجب المشرعين يضعوها كلغة رسمية للعراق بعيدا عن محاولات التمييع واللف والدوران من خلال مصطلحات مثل اللغة الرسمية المحلية او ما الى ذلك, فحقوقنا هي ارض اشورية وقرار اشوري حر.
اما تنظيماتنا التي تمثل شعبنا في الميدان  التشريعي وميدان الاستسلام للواقع, فالامور على ما يبدو خارجة عن اطار قدرتها ورغبتها في التغيير الايجابي , وقد باتت تلك التنظيمات عبئا على القضية الاشورية لا بد للشعب ان يعيد حساباته تجاهها.

  الروابط المتعلقة بالموضوع:
الدستور العراقي

http://www.cabinet.iq/PageViewer.aspx?id=2   

قانون اللغات الرسمية

http://www.parliament.iq/details.aspx?LawN=%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%AA%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B3%D9%85%D9%8A%D8%A9 



Comments

Popular posts from this blog

سوق المواقف الآشورية