استبعاد الآشوريين... في مصلحة من



 ادورد اوراها ...
لقد كثر الحديث في الأوساط العراقية عن التنوع و الغنى الموجود في الشعب العراقي سواء كان على مستوى القوميات أو الأديان أو المذاهب حتى إن المتابع للساحة العراقية يخيل له ان الفيسفساء العراقية ستظهر بأكمل وأحلى صورها في المستقبل العراقي المنتظر الذي يراهن عليه الكثيرون.
وجاءت الانتخابات العراقية لتكون بحق حدثا تاريخيا سواء على صعيد العراق ككل من حيث إنها سجلت سابقة لم يألفها العراقيون بعد سنين من الحرمان و القهر و الاضطهاد أو على أصعدة أخرى ومنها على الصعيد الآشوري و لكن هذه المرة كانت مؤشرا سلبيا على بدء مرحلة جديدة من التهميش تشبه من حيث النتيجة ما كان الآشوريون يعانوه في ظل الأنظمة السابقة ولا تختلف إلا من حيث الآلية فقد جاء التهميش هذه المرة عن طريق حرمانهم من التصويت في الانتخابات, إذ لم تجري عملية التصويت في المناطق ذات الكثافة السكانية الآشورية و بحجج مختلفة و لكنها تشابهت من حيث كونها حجج واهية لا يقبلها العقل و المنطق و لا يجيزها الوضع السياسي الحرج الذي يمر به العراق و الآشوريون بشكل خاص كجزء أساسي و أصيل من الشعب العراقي.
إن العراقيين بتجاهلهم الأصوات الآشورية المطالبة بالمشاركة و بتفعيل دورهم في العراق الجديد و سواء كان ذلك التجاهل ناجم عن سوء نية أو نتيجة انشغالهم بالتسابق على المكاسب الانتخابية يسهمون من حيث لا يدرون (أو يدرون) في إحداث خلل في التوازن في منطقة مهمة من العراق و هي الجزء الشمالي من العراق وهذا الخلل في التوازن السكاني سيكون له تداعيات كبيرة و مؤثرة قد يندم العراقيون عليها فيما بعد و هذه التداعيات بدأت بوادرها تظهر على السطح في الآونة الأخيرة بشكل إشارات قد تكون خجولة في الوقت الراهن لكنها ذات دلالات هامة.
لقد بدأ الأكراد في الآونة الأخيرة بطرح بعض الأفكار عن ضرورة ضم مناطق من نينوى إلى مناطق الإدارة الكردية و ظهرت بعض المطالبات بإنشاء محافظة جديدة تضم أجزاء من نينوى وإلحاقها بالإدارة الكردية كما حصل بعيد الانتخابات إذ قامت جهات مدفوعة من الطرف الكردي بطرح هذه الفكرة و بالتعاون معه و ترافق ذلك مع ما حصل في الانتخابات من إضعاف للتأثير الآشوري في المنطقة من خلال إضعاف الوجود الآشوري في المجالس المنتخبة وبالتزامن مع الإحجام العربي عن المشاركة في الانتخابات في تلك المنطقة فقد خلا الجو للطرف الكردي لزيادة نفوذه وتأثيره وبالتالي ضمان استمرار المد الكردي إلى مناطق جديدة وضمها إلى المناطق التي يديرونها وهذا أمر لا تخفيه الأطراف الكردية بل تصرح به علانية كما جاء على لسان المسئول الكردي عارف تيفور في تصريح له لوكالة الفرانس بريس.
إن تجاهل التوازن الذي ينبغي أن يقوم بين الأطياف العراقية بالإضافة إلى ما يتضمنه من انتهاك لحقوق أجزاء مهمة وشرائح واسعة من الطيف العراقي فانه ذو آثار سلبية على وضع العراق المستقبلي ووحدته فترجيح كفة طرف دون الأخر لا بد و انها ستؤدي إلى استفراد ذلك الطرف في طروحاته و الخشية من أن ذلك سيقود إلى تقوية النزعة الانفصالية الموجودة أصلا لدى الطرف الكردي و التي تحاول القوى الكردية دعمها و تجذيرها من خلال إيجاد المقومات الاقتصادية والجغرافية و السياسية التي تدعم حلم الانفصال و تدخل ضمن هذه المحاولات الجهود المستميتة التي ترمي إلى تكريد كركوك و ضمها إلى مناطق الإدارة الكردية و التي يقف ورائها العامل الاقتصادي لما تمثله المدينة من مصدر للنفط و ليس حق تاريخي فكركوك لم تكن يوما كردية بل كانت دوما تضم مختلف شرائح العراقيين.
إن طموح الانفصال موجود ومعلن في الأوساط الكردية و الزعامات الكردية لا تنفي ولا تخفي ذلك بل انها تقر بعدم ملائمة الظرف الراهن لنقل هذا الطموح إلى مستوى التطبيق والمقصود بعدم ملائمة الظروف هو عدم استكمال مقومات الانفصال والاستقلال وهذا لم يمنع هذه الزعامات من مواصلة العمل لاستكمال هذه المقومات فتكريد كركوك و محاولة ضم مناطق من نينوى هي عناصر حيوية لتحقيق طموح الانفصال والاستقلال و يجب على المؤمنين بوحدة العراق الانتباه إلى ذلك و عدم إخفاء الرأس في الرمال من خلال التغني بشعارات توحُد العراقيين وتكاتفهم بكافة أطيافهم و التهرب من حقيقة الطروحات الخطيرة لدى البعض.
إن الخطوة الفاعلة للحفاظ على وحدة العراق هي خلق توازن سياسي بالتوازي مع خلق ظروف ملائمة لتصحيح البنية السكانية فقد تعرضت البنية السكانية للأجزاء الشمالية من العراق و نينوى وكركوك إلى تغييرات قسرية و على مرحلتين اساسييتين الأولى على يد النظام البعثي متمثلة بحملات الأنفال المشئومة التي كان ضحيتها الآشوريون و الأكراد وليس الأكراد فقط كما يتم ترويجه في وسائل الإعلام, وتعريب نينوى من خلال تغيير قومية سكانها قسرا, وما حصل في كركوك من تهجير و تصفية للآشوريين و التركمان و الأكراد لصالح العنصر العربي.
أما المرحلة الثانية فقد تمت بيد الإدارة الكردية في المحافظات الشمالية و بمختلف الوسائل المباشرة و غير المباشرة التي أدت إلى ترجيح الكفة الكردية في مواجهة الوجود الآشوري, وكذلك ما حصل في كركوك من توطين للأكراد تحت ستار عودة المهجرين الأمر الذي أدى إلى الإخلال بالتوازن السكاني للمدينة, وكل ذلك تمهيدا للوصول إلى الهدف الأساسي أي ضم كركوك وأجزاء من نينوى إلى مناطق الإدارة الكردية لتحقيق التكامل الذي يتطلبه الانفصال.
إن تفعيل دور جميع شرائح العراقية هو الضمان لديمومة وحدة أراضي العراق و هو حاجة ملحة و ينبغي أن يكون مطلباً وطنيا قبل أن يكون مطلباً آشوريا أو تركمانيا أو مقتصرا على شريحة معينة أيا كانت.


Comments

Popular posts from this blog

سوق المواقف الآشورية

قانون اللغات الرسمية .. قراءة آشورية